الليبرالية والتعليم
لقد أصبح من الثابت بأن الدول التي تعجز مستقبلا عن الخروج من دائرة الأمية، ستخرج حتما من التاريخ، ذلك أن الجهل هو أشد الآفات خطورة على الكائن البشري. فإذا كانت الشعوب في الزمن الماضي تنقرض بسبب المجاعات، أو الأوبئة، أو الكوارث الطبيعية، وما إليها،فإنها تنمحي اليوم وتضمحل إذا هي لم تركب سفينة المعركة، ولم تتسلح بسلاح العلم، ومن ثم كان الجهل أخطر وباء يتهدد الإنسان، باعتبار الجهل مصدرا للعنف، وسببا لتعميق التخلف، وحجابا يمنع الرؤية التي تمكن الإنسان من التطلع نحو المستقبل للقيام بالتوقعات، واتخاذ السياسات الوقائية، ولعل أهم مؤشر لهذه الحقيقة، هو كون ميزانية التعليم في العالم أصبحت اليوم تفوق 10% من الإنتاج العالمي، ومن المنتظر أن ترتفع هذه النسبة في العقود المقبلة نظرا لكون التعليم سيعرف التعميم، ناهيك عن الدراسات العليا التي ستجنح بالأفراد نحو التخصص، وستعرف امتدادا من حيث الزمان، إذ ستتطلب الدراسة فترة أطول، مما سيرفع من كلفتها وذلك مع ارتفاع نسبة النمو الديمغرافي. هذا وينتظر على المستوى العالمي، أن يعرف التعليم الثانوي تغييرات جوهرية، بالنظر لضرورة إدخال التقنيات الحديثة، والوسائل المعلوماتية، بما في ذلك تكنولوجية الاتصال، وهي الأمور التي من المنتظر أن تكون أساسية لتمكين الفرد من مواجهة تيار التقدم، ومتطلبات التطور في وسائل التخاطب مع الآخرين، إذ من المنتظر أن تصبح مشكلة اللغة مسألة ثانوية، حيث من المتوقع أن يتمكن الفرد من الحصول على الترجمة الفورية لكل ما يقرأ ويكتب وذلك عبر جهاز الحاسوب. واعتمادا على المعطيات السالفة، بات من الضروري التفكير في تطوير التعليم بمفهوميه: المفهوم التربوي/ ومفهوم التكوين، وهو ما يؤدي حتما إلى التزام الدولة بتحمل مسؤوليتها إزاء مشكلة التعليم، انطلاقا من العمل على محاربة الأمية، ومرورا بإعداد الطفل في السنوات السابقة على ولوج المدرسة، ووصولا إلى العناية بالتعليم الأساسي بوجه خاص والتربية والتكوين بوجه عام. أما بالنسبة للسلك الثانوي، فينبغي أن يراعي القدرات الذاتية للفرد، بالقدر الذي يجعله يعي مواهبه، ويمكنه من ضبطها وتطويرها. أما التعليم العالي، فهو الهادف إلى تمكين المجتمع من الوصول إلى المعرفة بقصد تقليص مواطن الظل فيها، كما يهدف إلى تطوير البحث العلمي وضبط المعرفة، تلمسا لنورها، وما يترتب عن ذلك من تكريم للإنسان في سعيه نحو الكمال والسمو. أما المعاهد والمدارس المتخصصة، فهدفها التكوين والتخصص، لتلبية حاجيات السوق والعمل. ومن هذا المنطلق، فإن التعليم لا يعرف حدودا زمنية، كما أن التكوين وإعادة التكوين في كل المجالات المعرفية ضروري لنمو المجتمع، ويحتاج إلى تنظيم محكم، حتى لا يستشعر الفرد بأن المركب قد تجاوزه، في وقت أصبح فيه البحث العلمي، والتجديد التكنولوجي يسير بخطوات سريعة تجعل الأفراد يحسون بأن الركب قد تجاوزهم.